فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (4):

{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} وما بعدها.
أما قوله: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يعني القرآن، {وَمَآ أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} يعني به التوراة والإنجيل، وما تقدم من كتب الأنبياء، بخلاف ما فعلته اليهود والنصارى، في إيمانهم ببعضها دون جميعها.
{وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني الدار الآخرة.
والثاني: يعني النشأة الآخرة وفي تسميتها بالدار الآخرة قولان:
أحدهما: لتأخرها عن الدار الأولى.
والثاني: لتأخرها عن الخلق، كما سميت الدنيا لدنِّوها من الخلق.
وقوله: {يُوقِنُونَ} أي يعلمون، فسمي العلم يقيناً لوقوعه عن دليل صار به يقيناً.

.تفسير الآية رقم (5):

{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}
وقوله تعالى: {أُولئِكَ على هُدىً مِنْ رَبِّهُمْ} يعني بيان ورشد.
{وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنهم الفائزون السعداء، ومنه قول لبيد:
لَوْ أَنَّ حَيّاً مُدْرِكُ الْفَلاَحِ ** أَدْرَكَهُ مُلاَعِبُ الرِّمَاحِ

والثاني: المقطوع لهم بالخير، لأن الفلح في كلامهم القطع، وكذلك قيل للأكار فلاح، لأنه يشق الأرض، وقد قال الشاعر:
لَقَدْ عَلِمتَ يا ابنَ أُمِّ صحصحْ ** أن الحديدَ بالحديدِ يُفلحْ

واختلف فيمن أُرِيدَ بهم، على ثلاثة أوجه:
أحدها: المؤمنون بالغيب من العرب، والمؤمنون بما أنزل على محمد، وعلى من قبله من سائر الأنبياء من غير العرب.
والثاني: هم مؤمنو العرب وحدهم.
والثالث: جميع المؤمنين.

.تفسير الآية رقم (6):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَروا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} وأصل الكفر عند العرب التغطية، ومنه قوله تعالى: {أَعْجَبَ الكُفَّار نَبَاتُهُ} يعني الزُّرَّاع لتغطيتهم البذر في الأرض، قال لبيد:
في لَيْلَةٍ كَفَّرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا

أي غطَّاها، فسمي به الكافر بالله تعالى لتغطيته نعم الله بجحوده.
وأما الشرك فهو في حكم الكفر، وأصله في الإشراك في العبادة.
واختلف فِيمَنْ أُرِيدَ بذلك، على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم اليهود الذين حول المدينة، وبه قال ابن عباس، وكان يسميهم بأعيانهم.
والثاني: أنهم مشركو أهل الكتاب كلهم، وهو اختيار الطبري.
والثالث: أنها نزلت في قادة الأحزاب، وبه قال الربيع بن أنس.

.تفسير الآية رقم (7):

{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)}
قوله تعالى: {خَتَمَ اللهُ على قُلُوبِهِمْ} الختم الطبع، ومنه ختم الكتاب، وفيه أربعة تأويلات:
أحدها: وهو قول مجاهد: أن القلب مثل الكف، فإذا أذنب العبْدُ ذنباً ضُمَّ منه كالإصبع، فإذا أذنب ثانياً ضم منه كالإصبع الثانية، حتى يضمَّ جميعه ثم يطبع عليه بطابع.
والثاني: أنها سمة تكون علامة فيهم، تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين.
والثالث: أنه إخبار من الله تعالى عن كفرهم وإعراضهم عن سماع ما دعوا إليه من الحق، تشبيهاً بما قد انسدَّ وختم عليه، فلا يدخله خير.
والرابع: أنها شهادة من الله تعالى على قلوبهم، بأنها لا تعي الذكر ولا تقبل الحقَّ، وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إليه، والغشاوة: تعاميهم عن الحق. وسُمِّي القلب قلباً لتقلُّبِهِ بالخواطر، وقد قيل:
ما سُمِّيَ الْقَلْبُ إِلاَّ مِنْ تَقَلُّبِهِ ** وَالرَّأْيُ يَصْرِفُ، والإنْسَانُ أَطْوَارُ

والغشاوة: الغطاء الشامل.

.تفسير الآيات (8- 9):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)}
قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ والَّذينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ} يعني المنافقين يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، بأن يُظهروا من الإيمان خلاف ما يبطنون من الكفر، لأن أصل الخديعة الإخفاء، ومنه مخدع البيت، الذي يخفى فيه، وجعل الله خداعهم لرسوله خداعاً له، لأنه دعاهم برسالته.
{وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ} في رجوع وباله عليهم.
{وَمَا يَشْعُرُون} يعني وما يفطنون، ومنه سُمِّي الشاعر، لأنه يفطن لما لا يفطن له غيره، ومنه قولهم ليت شعري.

.تفسير الآية رقم (10):

{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)}
قوله تعالى: {في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: شك، وبه قال ابن عباس.
والثاني: نفاق، وهو قول مقاتل، ومنه قول الشاعر:
أُجَامِلُ أَقْوَاماً حَيَاءً وَقَدْ أَرَى ** صُدُورَهُمُ تَغْلِي عَلَيَّ مِراضُها

والثالث: أن المرض الغمُّ بظهور أمر النبي صلى الله عليه وسلم على أعدائه، وأصل المرض الضعف، يقال: مرَّض في القول إذا ضعَّفه.
{فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه دعاء عليهم بذلك.
والثاني: أنه إخبار من الله تعالى عن زيادة مرضهم عند نزول الفرائض، والحدود. {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني مؤلم.

.تفسير الآيات (11- 12):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)}
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا في الأَرضِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه الكفر.
والثاني: فعل ما نهى الله عنه، وتضييع ما أمر بحفظه.
والثالث: أنه ممالأة الكفار.
وكل هذه الثلاثة، فساد في الأرض، لأن الفساد العدول عن الاستقامة إلى ضدها.
واختلف فِيمَنْ أُريدَ بهذا القول على وجهين:
أحدهما: أنها نزلت في قوم لهم يكونوا موجودين في ذلك الوقت، وإنما يجيئون بعد، وهو قول سليمان.
والثاني: أنها نزلت في المنافقين، الذين كانوا موجودين، وهو قول ابن عباس ومجاهد.
{قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنهم ظنوا أن في ممالأة الكفار صلاحاً لهم، وليس كما ظنوا، لأن الكفار لو يظفرون بهم، لم يبقوا عليهم، فلذلك قال: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
والثاني: أنهم أنكروا بذلك، أن يكونوا فعلوا ما نهوا عنه من ممالأة الكفار، وقالوا إنما نحن مصلحون في اجتناب ما نهينا عنه.
والثالث: معناه أن ممالأتنا الكفار، إنما نريد بها الإصلاح بينهم وبين المؤمنين، وهذا قول ابن عباس.
والرابع: أنهم أرادوا أن ممالأة الكفار صلاح وهدى، وليست بفساد وهذا قول مجاهد.
فإن قيل: فكيف يصح نفاقهم مع مجاهدتهم بهذا القول؛ ففيه جوابان:
أحدهما: أنهم عرَّضوا بهذا القول، وكَنُّوا عنه من غير تصريح به.
والثاني: أنهم قالوا سراً لمن خلوا بهم من المسلمين، ولم يجهروا به، فبقوا على نفاقهم.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)}
قوله تعالى: {وإذا قيل لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {قَالُوا أَنُؤْمن كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم عنوا بالسفهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنهم أرادوا مؤمني أهل الكتاب.
والسفهاء جمع سفيه، وأصل السَّفَهِ الخِفَّةُ، مأخوذ من قولهم ثوب سفيه، وإذا كان خفيف النسيج، فسمَّي خفةُ الحلم سفهاً، قال السَمَوْأَلُ:
نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحْلاَمُنَا ** فَنَخْمُلَ الدَّهْرَ مَعَ الْخَامِلِ

.تفسير الآيات (14- 15):

{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)}
قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلى شَيَاطِينِهِمْ} في شياطينهم قولان:
أحدهما: أنهم اليهود، الذين يأمرونهم بالتكذيب، وهو قول ابن عباس.
والثاني: رؤوسهم في الكفر، وهذا قول ابن مسعود.
وفي قوله: {إلى شَيَاطِينِهِمْ} ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه مع شياطينهم، فجعل (إلى) موضع (مع)، كما قال تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إلى اللهِ} [آل عمران: 52] أي مع الله.
والثاني: وهو قول بعض البصريين: أنه يقال خلوت إلى فلان، إذا جعلته غايتك في حاجتك، وخلوت به يحتمل معنيين:
أحدهما: هذا.
والآخر: السخرية والاستهزاء منه فعلى هذا يكون قوله: {وَإِذَا خَلَوْا إلى شَيَاطِينِهِمْ} أفصح، وهو على حقيقته مستعمل.
والثالث: وهو قول بعض الكوفيين: أن معناه إذا انصرفوا إلى شياطينهم فيكون قوله: {إلى} مستعملاً في موضع لا يصح الكلام إلا به.
فأما الشيطان ففي اشتقاقه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه فيعال من شطن، أي بَعُدَ، ومنه قولهم: نوى شطون أي بعيدة، وشَطَنَتْ دارُه، أي بعدت، فسمي شيطاناً، إما لبعده عن الخير، وإما لبعد مذهبه في الشر، فعلى هذا النون أصلية.
والقول الثاني: أنه مشتق من شاط يشيط، أي هلك يهلك كما قال الشاعر:
...................... ** وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أَرْمَاحِنَا البَطَلُ

أي يهلك، فعلى هذا يكون النون فيه زائدة.
والقول الفاصل: أنه فعلان من الشيط وهو الاحتراق، كأنه سُمِّي بما يؤول إليه حاله.
{قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} أي على ما أنتم عليه من التكذيب والعداوة، {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} أي ساخرون بما نظهره من التصديق والموافقة.
قوله تعالى: {اللهُ يَسْتَهْزئُ بِهِمْ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: معناه أنه يحاربهم على استهزائهم، فسمي الجزاء باسم المجازى عليه، كما قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْه بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وليس الجزاء اعتداءً، قال عمرو بن كلثوم:
أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا ** فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينا

والثاني: أن معناه أنه يجازيهم جزاء المستهزئين.
والثالث: أنه لما كان ما أظهره من أحكام إسلامهم في الدنيا، خلاف ما أوجبه عليهم من عقاب الآخرة، وكانوا فيه اغترار به، صار كالاستهزاء بهم.
والرابع: أنه لما حسن أن يقال للمنافق: {ذُقْ إِنًّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، صار القول كالاستهزاء به.
والخامس: ما حكي: أنهم يُفْتَح لهم باب الجحيم، فيرون أنهم يخرجون منها، فيزدحمون للخروج، فإذا انتهوا إلى الباب ضربهم الملائكة، بمقامع النيران، حتى يرجعوا، وهاذ نوع من العذاب، وإن كان كالاستهزاء.
قوله عز وجل: {وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيانِهم يَعْمَهُونَ} وفي يمدهم تأويلان:
أحدهما: يملي لهم، وهو قول ابن مسعود.
والثاني: يزيدهم، وهو قول مجاهد.
يقال مددت وأمددت، فحُكِيَ عن يونس أنه قال: مددت فيما كان من الشر، وأمددت فيما كان من الخير، وقال بعض الكوفيين: يقال: مددتُ فيما كانت زيادته منه، كما يقال مَدّ النصر، وأَمَدَّه نهر آخر، وأمددت فيما حدثت زيادته من غيره، كقولك أمْدَدْتُ الجيش بمددٍ، وأمِد الجرح، لأن المدة من غيره.